الثلاثاء، 28 يونيو 2022

وهم المكانة الاجتماعية والدرجات العلمية المُزيَّفة


 
أحمد البرج

تُعرّف المكانة الاجتماعية علي أنها الوضع الذي يشغله الفرد في مجتمع أو جماعة ما ، وقد تتعدد مكانات الفرد تبعاً للمجتمعات والجماعات التي ينتمي إليها، ولا يشير مفهوم المكانة الاجتماعية دائماً إلى المفهوم الأعلي للمكانة كما يتوهم الكثيرون، ولكنه يمكن أن يدل في ذات الوقت علي المفهوم الأدني، والجماعة البشرية هي التي تقوم بتحديد هذه المكانة بالنسبة للفرد، ولكن هذا التقييم واقترابه من الحقيقة من عدمه يتوقف في المقام الأول علي مدي نضج  وثقافة هذه الجماعة.

ولعل المثال الأبرز الذي يوضح بشكل جلي اختلال هذا التقييم للمكانة الاجتماعية، في مصر وغيرها من البلاد النامية، هو ما حدث بين الأديب المصري عباس محمود العقاد وبين المونولوجيست محمود شكوكو، وذلك عندما سأل أحد الصحفيين العقاد قائلاً: من منكما الأشهر أنت أم محمود شكوكو؟، فقال العقاد باستغراب: ومن هو شكوكو؟، وعندها طار الخبر علي لسان الصحفي إلى المونولوجيست ليرد: قل لصاحبك العقاد ينزل ميدان التحرير ويقف علي أحد الأرصفة وسأقف علي الرصيف المقابل وسنرى على من سيتجمع الناس.
رد العقاد علي الصحفي قائلاً: قل لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف علي الرصيف ويجعل راقصة تقف علي الرصيف الأخر ليرى علي من سيتجمع الناس.
وعلي الرغم من قسوة رد الأديب إلا أنه يفيد بأن القيمة الحقيقية للأنسان لا تُقاس بالجماهيرية أو الشهرة.
وتتمايز أنماط المكانة الاجتماعية؛ فهناك المكانة الاجتماعية الموررثة التي يرثها الفرد من عائلته وليست نتاج جهد مبذول أو عمل حقيقي يعوّل عليه، وهي مكانة لا تأخذ إلا كصورة عامة عن الفرد بعيداً عن سماته الشخصية.

وهناك المكانة الاجتماعية المكتسبة، وتنقسم إلى مكانة مكتسبة عن غير عمد او قصد و مكانة اجتماعية مكتسبة عن قصد وعمد، أما المكانة الغير مقصود الوصول إليها، فالمجتمع هو من يهبها للفرد، قد يكون ذلك بناء على عمل موفور أو جهد مضني ونافع كما هو الحال في المجتمعات التي تقدر عمل الانسان، وقد تكون هذه الهبة عمل مشوّه كما يحدث في المجتمعات التي تقدس التفاهة والمذهب النفعي ولو كان فاسداً، وذلك من خلال تسويق النماذج التافهة وتصديرها علي أنها ذات قيمة.

والنوع الاخر هو المكانة الاجتماعية المكتسبة عن قصد وعمد وهي التي يسعى الفرد للحصول عليها بطرق مشروعة وأخرى غير ذلك، وهي في الأغلب رغبة داخلية للشعور بالتميز والاختلاف بغض النظر عن طريق الوصول.

والسعي إلى اكتساب المكانة الاجتماعية  من خلال العمل الحقيقي هو حق مشروع لكل فرد وقد حض الله سبحانه وتعالي عليه في كتابه الكريم حيث قال:" وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ". التوبة (105)
ومن ثم فالعمل هنا هو العمل الصالح الذي يبتغي الإنسان من وراءه وجه الله، سواء أكان هذا العمل في التجارة أو الطب أو حتي البحث العلمي.
وعلي ذكر "البحث العلمي"، فهناك ظاهرة أجزم أنها ليست بالجديدة، ولكن ظهر استفحالُها في الآونة الخيرة بشكل فجْ لا يدع مجالاً للصمت، حيث يتم الحصول علي درجات علمية معينة بطرق غير نظيفة وملتوية للتسوية في وظيفة أو لمجرد أن يوضع لقب "دكتور" قبل اسم الشخص، علي اعتبار ان هذه الدرجة العلمية المزيفة، التي تم الحصول عليها بالتحايل والغش والمال وغرف الامتحانات الخاصة، يمثل الحصول عليها في نظر الفرد انجاز "خارق" لابد أن ينال عليه التقدير والاحترام.

هذا التزييف الصارخ للحقائق واضفاء القيمة علي غير أهلها شيء لابد من التنويه إليه حتي لا يصدق الفاسد نفسه، واللوم هنا لا يقع علي صاحب الدكتوراه المزيفة فقط بل يطال ايضاً المجتمع الذي يغض الطرف عن هذه التزييف ولاينفك يكيل المديح والتهانى علي القدرة علي الكذب والاحتيال بأسم العلم، والهالة العلمية هنا هشة للغاية يمكن لأي حوار بسيط أن يقلبها رأساً علي عقب.

المكانة الاجتماعية في المجتمعات البدائية ومجتمعات ما قبل التاريخ يتم اضفاؤها علي الشخص وفقا للمذهب النفعي المبني علي المصالح الخاصة والعمل الفاسد والجهد المزور، وبتالي فلا يجوز بأي حال من الأحوال أخذ هذه المجتمعات كمعيار لتقييم هذه المكانة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وهم المكانة الاجتماعية والدرجات العلمية المُزيَّفة

  أحمد البرج تُعرّف المكانة الاجتماعية علي أنها الوضع الذي يشغله الفرد في مجتمع أو جماعة ما ، وقد تتعدد مكانات الفرد تبعاً للمجتمعات ...