السبت، 30 نوفمبر 2019

ماضينا المتقدم



كتب – أحمد  البرج
لا أشُك أن أي عربي قد راوده السؤال التالي : " لماذا تسبقنا الأمم الأخرى بسنين ضوئية  في  التقدم العلمي والتقني؟ " , وأكاد أجزم أن أحداً لم يجد رداً ناجعاً لهذا السؤال المؤرّق .
الحقيقة أن هذه الحقبة من تاريخ العرب وأقصد بها الفترة التي أنقطع فيها العرب عن ماضيهم المتقدم , أي أن هذه الفترة تبدأ منذ مجيء الاستعمار الغربي وحتي يومنا هذا , هذه الحقبة التي أربأ بأن أعمم معالمها علي تاريخ العرب العلمي والحضاري كافة , والشواهد علي ذلك كثير, فمنذ قديم الأزل كان أثر الحضارة العربية العلمي والتقني  في مختلف الأمم بشكل عام وفي الحضارة الغربية التي ننظر إليها الآن بعين الوقار والإعجاب ,كان هذا الأثر جلياً كالشمس في كَبَد السماء .
في القرن الحادي عشر الهجري خرج علينا ابن الهيثم بكتابه المكون من سبع مجلدات والذي عنونه بـ " المناظر " , هذا الكتاب الذي كان له الفضل الأجَلْ في اختراع الكاميرا الحديثة وفي طب العيون , بل ذهب هذا الكتاب, الذي لقب صاحبه بـ" أبي الفيزياء الحديثة " , إلى ما هو أكثر من ذلك ,حيث صُنف كأكثر الكتب تأثيراً في علم الفيزياء إلي جانب كتاب إسحاق نيوتن "فلسفة المبادئ الرياضية الطبيعية ".
أما عن تقدم العرب القديم في الطب والجراحة  فحدّثْ عن أبي قاسم الزهراوي ولا حرج , والذي يعد من أعظم جراحي العالم في زمانه ,حيث عُد مؤلفه "التصريف لمن لا يعرف التأليف" المرجع الأول والوحيد في الطب في العالم العربي والغربي لأكثر من 600 عام .
اختراعات الزهراوي التي بلغ عددها ما يقرب من المائتي اختراع ,يأتي اختراع الحقنة في مقدمتها, ولعلك تتخيل ماذا كان يعني اختراع الحقنة قبل ألف عام من الآن , والعجيب أن الكثير من ابتكارات الزهراوي الأصلية لاتزال موجودة في المتاحف الأوروبية .
" صنعة جابر " هكذا كان يُطلق علي الكيمياء في عصور العرب الآفلة , نسبة إلي جابر بن حيان الذي لُقب هو الآخر بـ "أبي الكيمياء" , كما لا يخفي علي أحد دور ابن حيان في وجود الزجاج الشفاف بعد أن كان العالم يستخدم الزجاج الداكن وذلك من خلال إضافة ثاني أكسيد المنجنيز , أما الكريستال فأول من وضع تقنيات العامل معه هو عباس بن فرناس ,الذي ظن الكثيرون أنه توفي إثر محاولته الطيران , إلا أنه لم يمت بل أكمل اختراعاته .
ولو أخذنا من إنجازات البيروني  المتقدمة  في زمانه قياسه للوزن الذري للذهب بكل دقه ليجده 19.26 وهو ما اثبتته التجارب الحديثة , لكان كفيلاً بأن يزيل من أذهاننا أي واجس حول ما وصل إليه العرب من تقدم , ناهيك عن رسم الإدريسي لأول خريطة للعالم قبل ألف ومائة عام .
إذا كان العرب متقدمين إلي هذا الحد البعيد, إذنْ ما الذي دفع بهم إلي أديم الجهل هكذا , بينما ارتقت غيرها من الأمم إلى عنان سماء العلم ؟ السبب هو أننا أُجبرنا علي التخلي عن العلم من خلال ما أظنه افتُعِل عنوة .
مكتبة بغداد التي عُرفت كأكبر مكتبة علي وجه البسيطة والتي كانت مقسمة إلي ثمانين قسم ومليئة بملايين الكتب الثمينة , هذه الثروة العلمية التي لا تقدر بثمن فُتك بها بين عشية وضحاها من قبل التتار, وألقي بكتبها في نهر دجلة بعد أن سقطت بغداد , ولحقت بها مكتبة قرطبة , التي أُحرقت عام 1494م بعد سقوط الأندلس وظلت النار مشتعلة بها 7 ايام , ومكتبة طرابلس في لبنان ,والتي كانت رابع أكبر مكتبة في العالم ,أُحرقت أيضاً من قبل الصليبيين وظلت النار مشتعلة بها لمدة 47 يوماً متتالية , وغيرها وغيرها..

لك أن تتخيل كم المعارف العربية التي زُج بها إلى الفناء , وذلك في الوقت الذي بدأت فيه الحضارة الغربية تتملص من قيود عصور الظلام , ولعل الرؤية تصبح جلية عند الإشارة إلى ظهور الطباعة علي يد يوهان جوتنبرج ,هذا الاختراع الذي أدي الي حدوث نقلة نوعية في أوروبا من حيث زيادة نسبة التعليم والقراءة ,مقارنة بالعالم العربي والإسلامي ,الذي كانت الطابعة مُحرمة فيه بحجة الحفاظ علي الخط العثماني , إلى أن عَرف العرب أول طابعة عربية عام 1819م في عهد محمد علي , لكن هذه الفجوة الزمنية كانت , إلى جانب ما سبق ذكره , من أهم أسباب ما نحن كأمة عربية فيه من جمود حضاري وعلمي .

الجمعة، 11 يناير 2019

" عم محمد الكابتن " أقدم بائع كتب بجامعة القاهرة : أبيع الكتب بنفس سعرها القديم








كتب – أحمد البرج
تختلف أنماط القراءة في الحاضر عن مثيلتها في الماضي  سواء من حيث نوعية الكتب التي تقرأ ، أو معدل القراءة أو حتي وسيلة القراءة ، وأكثر من يلاحظ هذه الاختلافات هم بائعو الكتب أنفسهم ، ففي منتصف القرن الماضي علي سبيل المثال كانت المكتبات تعج بالقراء من كل حدب وصوب ، ولكن لسبب او لآخر أصبح عدد القراء في تناقص مستمر حتي وصل الأمر إلي ان الكتب لا يقرأها سوي بائعوها . 

في مكتبته المتواضعة التي تغطيها الزهور والورود من كل جانب، يجلس محمد الكابتن اقدم بائع كتب في المدينة الجامعية بجامعة القاهرة ، ولد "الكابتن" في 12 نوفمبر  1939    بالجيزة ، بينما ترك الكابتن المدرسة وهو في الصف الثالث الابتدائي علي الرغم من تفوقه الدراسي وذلك لظروف المعيشة الصعبة وعدم قدرته على سداد مصاريف الدراسة والتي كانت آنذاك  25قرشا في العام ، في حين أن أسرته لم تستطع دفع هذا المبلغ ، لكن ذلك لم يعوق محمد عن تثقيف نفسه من خلال القراءة المستمرة . 


بدأ رحلته مع بيع الكتب عام 1951 وذلك قبل قيام ثورة يوليو بما يقرب من عشرة أشهر مما جعل بعض الطلاب في المدينة الجامعية يقولون له : "انت وشك حلو علينا".


أما عن بيعه للكتب فيستطرد الكابتن متذكرا : " لقد كان الكتاب في منتصف القرن الماضي ب ٣ " ساغ "، وكان هذا يعتبر مبلغا كبيرا في ذلك الوقت ، ومع ذلك كانت هناك ثورة ثقافية ، ومعدل القراءة والبيع عاليين حيث كانت المطابع القومية تصدر كتابا كل 6 ساعات ". 


ويضيف : حبذا لو رآني الطلاب قد عرضت مجموعة  جديدة من الكتب فيهرعون إلي مسرعين ، ولكن الآن تمر علي أيام لا ابيع فيها كتابا واحدا  ، وهذا بسبب انتشار الانترنت الذي طال تأثيره ايضا معدل بيع الصحف والمجلات .


لم يسع " الكابتن " من وراء بيع الكتب الربح ؛  فقد كان يأتي بالكتب من المطابع القومية ليبيعها بنفس السعر الذي اشتراها به علي الرغم من تحمله نفقات التوصيل ، بل انه يبع كتب التسعينيات بنفس سعرها وقت صدورها حيث يقول : "  أشعر بالرضي عن نفسي عندما يأتي أحد الطلاب فقط ليلقي نظرة علي الكتب . 

وقد كتبت الكثير المجلات والصحف الأجنبية عن محمد الكابتن ومنها صحيفة " الجازيت "  

وهم المكانة الاجتماعية والدرجات العلمية المُزيَّفة

  أحمد البرج تُعرّف المكانة الاجتماعية علي أنها الوضع الذي يشغله الفرد في مجتمع أو جماعة ما ، وقد تتعدد مكانات الفرد تبعاً للمجتمعات ...